في أوقاتٍ يبدو فيها عالمنا فوضويًا وخطيرًا وغير متوقع، يصعب علينا الحفاظ على هدوئنا بين الإنذارات. فمع عناوين الأخبار المُحبطة وقلق القلب الدائم، يجد الكثيرون أنفسهم يحدقون في الشاشة، يتنقلون بين التحديثات، متأرجحين بين القلق وعدم اليقين والخوف.
لكن حتى في هذه الظروف، من المهم أن نأخذ استراحة من الشاشات ونختار أنشطة بسيطة تعيد لنا بعض الهدوء. أتذكر أنه خلال فترة كورونا، أدركت سريعًا ضرورة وضع روتين خاص بي، يشمل تغيير ملابس النوم صباحًا إلى ملابس مريحة، وليس بنطالًا رياضيًا، ووضع القليل من المكياج لأنني لا أستطيع إهمال نفسي، وتخصيص بضع ساعات يوميًا للعمل على الكمبيوتر.
أفعال بسيطة قد تعيد لنا القليل من راحة البال
كنتُ أيضًا أسجل في دروس بيلاتيس مع ابنتي شيرلي عبر تطبيق زووم يوميًا تقريبًا، بل واخترتُ برامجًا في وسائل الإعلام لتمارين هوائية سهلة لمدة 15 دقيقة، دون قفز بالطبع، لمن يهتمون بركبهم. الحركة، حتى وإن كانت محدودة، تُحسّن المزاج. لا حاجة لمعدات خاصة أو صالة ألعاب رياضية. من المهم أن نُحدد لأنفسنا مهامًا، مثل تنظيم خزانة الملابس أو التخلص من الملابس التي كنا نؤجلها لفترة طويلة، والانحناء/التمدد لأعلى أثناء الترتيب الجديد، والرقص على أنغام موسيقى إيقاعية أثناء الطهي أو التحدث على الهاتف، والعناية بالحديقة، والخروج إلى الدرج وصعود طابقين يوميًا.
تمارين بسيطة كالتمدد باستخدام الأربطة المطاطية، أو رفع الأثقال، أو المشي داخل المنزل أثناء طهي الطعام، أو المشي في الخارج - كل حركة لها أهميتها. لا تقتصر فوائد النشاط البدني على بناء القوة والقدرة على التحمل، بل تشمل أيضًا تعزيز الهدوء وصفاء الذهن والمرونة.

يساعد النشاط البدني على تقليل أعراض الاكتئاب والقلق.
منذ قرون، عُرف أن النشاط البدني المنتظم أحد ركائز الحفاظ على صحتنا البدنية والمعرفية والنفسية. وتشير العديد من الدراسات إلى أن فوائده تعادل، بل وتتفوق، فوائد العلاج الدوائي.
الميزة الجيدة هي أنها لا تتطلب جهدًا كبيرًا. مجرد ٢٠-٣٠ دقيقة من النشاط المعتدل معظم أيام الأسبوع كفيلة بتحسين النوم والدافعية والصحة العامة بشكل ملحوظ.
بالإضافة إلى ذلك، يساعد النشاط البدني الذي يحتوي على مكون هوائي الجهاز القلبي الرئوي على توزيع الدم الغني بالأكسجين والمواد المغذية في جميع أنحاء الجسم - بما في ذلك مناطق الدماغ المسؤولة عن الحالة المزاجية واتخاذ القرار والتوازن العاطفي.
ماذا يحدث في الدماغ عندما نتحرك: كيمياء المزاج ومرونة الدماغ
عندما نتحرك أو نمشي أو نمارس نشاطًا بدنيًا شاقًا كالجري أو السباحة أو ركوب الدراجات، يُطلق الدماغ مواد كيميائية من عائلة "الإندورفين" - وهي مسكنات ألم طبيعية - تُعرف أيضًا باسم "هرمونات السعادة" أو "النشوة"، نظرًا لتأثيرها على المزاج والاسترخاء. على الرغم من أن أعلى مستويات الإندورفين تُفرز بعد حوالي نصف ساعة من النشاط الشاق، إلا أن المشي المعتدل والمنتظم، الذي يرفع معدل ضربات القلب، يُشجع على إطلاقها ويُحسّن المزاج والرفاهية.
بالإضافة إلى ذلك، يؤثر النشاط البدني على مجموعة واسعة من الناقلات العصبية الأخرى التي تساهم في التوازن العاطفي والشعور بالرفاهية. مشتمل:
- السيروتونين - يُشارك في تنظيم المزاج والنوم والشهية. يرتبط ارتفاع مستويات السيروتونين بمشاعر الهدوء والرضا والاستقرار العاطفي.
- الدوبامين يؤثر على مشاعر المتعة والتحفيز والمكافأة. يحفز النشاط البدني إفراز الدوبامين، مما يساعد على الشعور باليقظة والحيوية.
- نورأدرينالين (النورإبينفرين) – يشارك في استجابة الجسم للتوتر ويزيد من القدرة على التركيز واليقظة.
ومن بين المركبات الكيميائية الأخرى التي يتم إنتاجها وإطلاقها عندما نكون نشطين "عوامل النمو" مثل BDNF (عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ) - وهو بروتين أساسي يشجع نمو الخلايا العصبية الجديدة - التولد العصبي - في الحُصين، وانتشار الاتصالات الجديدة بين الخلايا العصبية (المشابك العصبية) ودعم الأنسجة العصبية.
يُعدّ تأثير عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF) بالغ الأهمية، إذ يُساهم في "مرونة الدماغ"، أي قدرته على التغيير والتعلم وإنشاء مسارات عصبية جديدة لتهدئة العقل. لذا، تُعدّ ممارسة التمارين الرياضية بانتظام حمايةً لصحة الدماغ في المستقبل.

ليس فقط في الدماغ - التأثير على الصحة العامة
لا يؤثر النشاط البدني على العقل فقط، بل على جميع أنظمة الجسم:
تحسين نوعية النوم - يساهم النوم الجيد في التعافي البدني والمرونة العاطفية.
تقوية جهاز المناعة - ممارسة النشاط المعتدل بشكل منتظم يزيد من مقاومة الجسم للأمراض.
تنظيم مستويات السكر والدهون - يساهم في التوازن الأيضي ويقلل من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.
الحفاظ على كتلة العضلات وكثافة العظام - مهم بشكل خاص في سن الشيخوخة.
تقليل الالتهاب العام قد يرتبط الالتهاب المزمن بالاكتئاب وأمراض الدماغ التنكسية، مثل الزهايمر. تساعد التمارين الرياضية على تقليل مؤشرات الالتهاب في الجسم.
كلمة أخيرة
الجسد والعقل في تواصل دائم - في كل مرة تتحرك فيها، تُرسل رسالة إلى دماغك: أنا حي، أنا نشيط، أنا أواجه التحديات. هذه رسالة قوية بشكل خاص في الأوقات الصعبة. فالنشاط أو الحركة يُحدثان تغييرًا عميقًا في كيمياء الدماغ، ومرونة في التفكير، وشعورًا بتقدير الذات والثقة.
ومن ثم فإن "الجدران الأربعة" ليست الوضع المثالي، ولكن يمكن الاستفادة منها أيضًا للحفاظ على الجسم والعقل.
لقد تفاعلت حقًا مع مقالة وبحث الدكتورة سيلفيا مندل.
نصائح رائعة للأيام التي لا تستطيع فيها الحركة، والحفاظ على لياقتك البدنية وصحتك بشكل عام.
إنه يحمينا عقليًا وجسديًا وثقتنا من التدهور. أود أن أسمع المزيد.
يسعدني سماع ذلك عزيزي ريكي ❤️